تتوالى الأزمات والكوارث التي تقع على عاتق المواطن اللبناني يوما بعد يوم، فبعد الفيضانات وصل الدور إلى الرغيف، حيث أعلن أصحاب الأفران أن ربطة الخبز سينقص وزنها من اليوم 100 غرام لتصبح 900 بدلا من 1000 غرام مع الحفاظ على سعر 1500 ليرة لبنانية.
وفي وقت تتجه الأنظار اليوم إلى باريس لما يمكن أن يتمخض عن المؤتمر الخاص بلبنان، برزت مشاكل جديدة في الملف الحكومي، تمثلت بكلام عن توجه لدى تكتل لبنان القوي لعدم تسمية سعد الحريري لتشكيل الحكومة، في ظل تعنت الأخير بحكومة تكنوقراط برئاسته، على أن يكون هناك موقف للوزير جبران باسيل خلال الساعات القادمة لحسم هذا الأمر.
*"الأخبار": «كارتيل» الأفران يأكل رغيف الفقراء*
قالت صحيفة "الأخبار" أنه رسمياً، وابتداءً من اليوم، ربطة الخبز التي تزن 1000 غرام وتسعّرها وزار الاقتصاد والتجارة بـ1500 ليرة، صارت تزن 900 غرام. هذا ما خرج به أعضاء اتحاد نقابات أصحاب الأفران والمخابز من جمعيتهم العمومية التي عقدوها أمس. فبعد ساعتين من التشاور، كان القرار بالإجهار بما بدأوا تطبيقه بالسر، منذ بداية الأزمة، وتحديداً منذ آب الماضي. هكذا، أصبحت الـ«900» أمراً واقعاً لا تراجع عنه. هذا ما أعلنه أعضاء النقابات بالإجماع، وما أبلغوه لوزير الاقتصاد والتجارة، منصور بطيش، «live». لا ينتظر هؤلاء ما سيقرره الأخير، فهم قرروا أنه ابتداءً من اليوم ربطة خبز الفقراء، المدعومة من الدولة، طار منها مئة غرام، ولو كلّف الأمر «تسطير محاضر ضبط في حقنا» يقول نقيب أصحاب الأفران في الشمال، طارق المير. فيما لفت رئيس اتحاد نقابات المخابز والأفران كاظم إبراهيم، في مؤتمر صحافي، إلى أنه في حال «صدور أي ضبط في حق صاحب أي فرن أو طلب صاحب الفرن إلى القضاء، سنعلن الإضراب العام في كل المخابز والأفران فوراً ومن دون سابق إنذار»، مشيراً إلى أن «وزير الاقتصاد يهددنا بمحاضر الضبط فليسطر ما شاء من محاضر ونحن أقوياء بالحق وسنجابه بالحق».
هذه الخطوة التصعيدية التي أعلنها «الكارتيل» الجديد لحقها تصعيد آخر أرادوه «شديد اللهجة»، حذّروا خلاله وزارة الاقتصاد من تسطير المحاضر، لأن ضريبة ذلك ستكون «النزول إلى الشارع وإعلان الإضراب المفتوح»، يتابع المير. لا يجد النقيب ما يبرّر إصرار الوزير على السعر الحالي، ففي رأيه أن هذا التخفيض «لن يتأثر به المواطن ولا حتى وزارة الاقتصاد». مجرّد «إجراء». هكذا، يبرّر الأخير قرار إنقاص رغيفٍ من لقمة عيش المواطن. ولكن، فاته أن هذا الإجراء يأتي في ظل أزمة قاتلة تجعل من الصعب بالنسبة إلى البعض تحصيل هذا الرغيف. أما الأسوأ من ذلك فهو أن هؤلاء اتخذوا قرارهم من دون اعتبار للقوانين، وفي تحدٍ واضح للقرار الصادر عن بطيش، والذي يمنع التلاعب بسعر ربطة الخبز أو وزنها.
لا يأبه هؤلاء لقرار بطيش. فهم يعتبرون بأن «القرار يمثله وحده كوزارة اقتصاد». أما قرارهم هم فهو «تخفيض الوزن، ونقطة ع السطر». لكن، ما يقولونه لا يتطابق بمواصفاته مع ما يقوله بطيش، المصرّ أكثر من أي وقتٍ مضى، على عدم المساس برغيف الناس. فالمعادلة واضحة «المساس برغيف الخبز يعني المواجهة مع الناس، الذين هم في جلّهم فقراء». لا مجال للمساومة هنا، وما سيحصل بعد قرار الأمر الواقع، «أنني سأطبّق القانون». وهنا أيضاً «نقطة ع السطر». ينطلق بطيش في إصراره من الدراسة «الطازجة» التي قامت بها المديرية العامة للحبوب والشمندر السكري، وقدّرت كلفة إنتاج ربطة الخبز زنة 1500 غرام بألف ليرة لبنانية. وهذه كلفة تترك هامشاً كبيراً من الربح لأصحاب الأفران أولاً وآخراً. ولمزيد من التأكيد، قام بطيش من خلال «فريق عمل» خاص بدراسة ميدانية أمس أكّدت المؤكّد: كلفة ربطة الخبز زنة 1000 غرام لا تتعدى الألف ليرة، حتى مع زيادة سعر صرف الليرة مقابل الدولار. فحتى اليوم، لا يزال «الربح كبيراً». من هنا، لا مكان لإعادة النظر في سعر الربطة أو وزنها. الجواب نهائي من جانب وزير الاقتصاد. أما أصحاب الأفران فـ«تاركينهم لنشوف لوين بدهم يوصلوا».
هي كلمة واحدة، يقول بطيش، «أنا سأطبق القانون، ولا أرى أنهم مظلومون، فهامش الربح مفتوح أمامهم». وثمة أدلة كثيرة تبدأ بربطة الخبز «اللي حقها ألف وعم يبيعوها بـ1500»، ولا تنتهي بأنواع المخبوزات الأخرى التي لا تخضع هي الأخرى للرقابة.
يستغرب بطيش سبب هذا الإصرار في الوقت الذي يخضع القمح، وهو أهم مادة في صناعة الخبز، للدعم. هذا الدعم الذي يستحوذ على 12 مليون دولار من موازنة وزارة الاقتصاد البالغة 24 مليون دولار، أي أن نصف الموازنة يذهب إلى دعم القمح!
ولئن كان بطيش ذاهباً من دون هوادة نحو تطبيق القانون، وإلا المواجهة مع الناس، يشير رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، إلى أن تصريح أمس لاتحاد نقابات الأفران والمخابز «يخبرنا بأننا أصبحنا أمام كانتون جديد متمثّل بالأفران». لا يستغرب برو هذا الأمر، فبرأيه، هذا «موضوع منتظر من قطاعٍ يقتات على الأزمات، فهو غالباً ما يستفيد من الأزمات من خلال استغلال دعم الوزارة وخزينة الدولة». هكذا، لا تخرج سيرة أصحاب الأفران وصراعهم من أجل الحفاظ على أرباحهم ولو على حساب الرغيف «من كونها استمراراً للسيرة التي بدأت قبل عشرات السنوات». مع ذلك، لا يجد برّو أن الحل مستعصٍ، فثمة حل متوافر منذ خمسة عشر عاماً «ويقول بأن تكون هذه السلع مثلها مثل السلع التي يتم دعمها من الدولة، أي أن يكون لها جدول أسعار كالمازوت والغاز، إذ لم يعد مقبولاً أن تصل الأرباح على سلعة أساسية كالخبز إلى حدود 70 إلى 80%».
من جهة أخرى، يفيد التذكير، بحسب برو، بأن مادة القمح «لا يستخدم منها أكثر من 30% في صناعة الخبز الأبيض المدعوم، وأن النسبة المتبقية تُستخدم لصنع سلعٍ غير مدعومة وغير محدّدة السعر»، ما يعني أن ثمة هامش ربحٍ من «قطاع» رديف يقدّر بحدود 70%. وهذه لا علاقة للدولة بها. لذلك، وانطلاقاً من هنا «كفى ابتزازاً للدولة والخزينة بحجة أنهم قطاع أساسي.... وإلا فليكن خيار الدولة بأن تذهب إلى إقفالهم».
هذه ليست دعوة «مجانية»، يقول برو، وإنما حاجة خصوصاً في هذا الظرف. أما الحاجة الأكثر إلحاحاً، فهي مراجعة أرباح المطاحن التي تفوق المئة دولار لطن القمح، فيما «أرباح المطاحن في مصر وسوريا لا تتعدى الـ20 دولاراً تقريباً». ومن هنا، يجب أن تبدأ المعركة.