“الأخبار”: طلب مشورة صندوق النقد وسلامة يحجب جردة الموجودات: لبنان يتّجه لوقف سداد الدين

كتبت صحيفة “الأخبار ” تقول : مع اقتراب استحقاق سندات اليوروبوندز في 9 آذار المقبل بقيمة 1.2 مليار ‏دولار، يحتدم النقاش حول خيارَين: الاستمرار في سداد الدين أو التخلّف ‏عنه. على ضفّة السداد، يقف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وحيداً، فيما ‏يتموضع رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة في موقع أقرب الى ‏رفض السداد، والسعي الى مشورة تقنية من صندوق النقد الدولي تساعدهم ‏على تغطية اتخاذ القرار

بعد 25 يوماً يستحق دَين على لبنان بقيمة 1.2 مليار دولار. هذا الدين هو عبارة عن سندات خزينة بالعملة ‏الأجنبية (يوروبوندز) أصدرتها وزارة المال في آذار 2010 لمدّة 10 سنوات وبفائدة سنوية 6.375%، أي أن ‏الخزينة دفعت سنوياً لحملة هذه السندات 76.5 مليون دولار، أو ما مجموعه 765 مليون دولار خلال السنوات ‏العشر الماضية. ويأتي هذا الاستحقاق في ذروة الأزمة المالية ــــ النقدية التي بدأت منذ سنوات وتفاقمت مؤشراتها ‏منذ ظهور سعرَين لصرف الليرة مقابل الدولار، بفارق يزيد 55% على السعر المدعوم من مصرف لبنان ‏‏(1507.5 ليرات وسطياً مقابل 2325 ليرة في السوق الموازية) وعدم قدرة مصرف لبنان على اتّخاذ تدبير نهائي ‏مقبول في مواجهة تمويل السلع الأساسية مثل المحروقات والدواء والقمح والمستلزمات الطبية، بل اختبر المقيمون ‏في لبنان تقنيناً في هذه السلع لعدّة أيام، ودفعوا فروقات سعر الصرف من رواتبهم التي تآكل أكثر من 34% منها ‏بفعل وجود سعرَين لليرة (نسبة تآكل الليرة محتسبة من قبل جهات متخصّصة على أساس سلّة من السلع ‏المستوردة بسعر الليرة في السوق الموازية). والأسوأ من ذلك كلّه، أن حاكم مصرف لبنان أقرّ بأن المصارف ‏تودع لديه 70 مليار دولار بالعملات الأجنبية، بينما هو لا يملك أكثر من 30 ملياراً في احتياطاته بالعملات ‏الأجنبية؛ من ضمنها احتياطات إلزامية بقيمة تفوق 19 مليار دولار‎.

*موقف حاسم‎*
إزاء هذا الوضع، واصلت القوى السياسية عقد اجتماعات ولقاءات منذ تأليف الحكومة إلى اليوم، من دون أن تحسم ‏موقفها النهائي بعد. إلا أنه ظهرت مؤشرات في الأيام الأخيرة عن موقف ستتخذه الحكومة في اجتماع يُعقد في ‏قصر بعبدا ظهر الخميس المقبل مع بروز أرجحية تدعم التوقف عن السداد وإطلاق عملية التفاوض مع الدائنين ‏بالاستناد إلى مشورة صندوق النقد الدولي. وبحسب مصادر مطّلعة، فإن رئيس الحكومة حسان دياب دعا إلى ‏اجتماع للجنة الوزارية ــــ المالية قبل ساعتين من موعد جلسة الحكومة لمناقشة القرار النهائي، علماً بأنه تبلّغ من ‏معظم الوزراء رفضهم مواصلة سداد الديون‎.

في الواقع، إن اللقاءات التي عقدت بعد تأليف الحكومة لم تتوصّل إلى نتيجة سوى تلك التي كشف عنها رئيس ‏مجلس النواب نبيه بري، الذي أشار إلى أن بتّ سندات آذار ينبغي أن يستند إلى مشورة (تقنية) من صندوق النقد ‏الدولي. بعض المراقبين يشيرون إلى أن برّي كما غيره من زعماء الكتل السياسية في لبنان، يبحثون عن وصيّ ما ‏يلصقون به أخذ لبنان نحو هذا الخيار أو ذلك، وهم لا يبدون أي نيّة لتحمّل المسؤولية، ليس فقط لأنهم ليسوا ‏قادرين على تحديد الخيار الأنسب، بل لأنهم ليسوا قادرين على الخروج من حدود اللعبة المحليّة التي تنطوي على ‏تبادل الاتهامات كسباً للشعبية‎.
*مشاورات ما قبل المشورة‎*
وتشير المصادر إلى أن المشورة المنتظرة من الصندوق، سبقتها تحضيرات مع صندوق النقد والبنك الدولي من ‏أجل إنجاز خطّة تمهيدية لاتخاذ القرار النهائي، على أن تكون جاهزة خلال بضعة أيام لعرضها على الدائنين ‏الأسبوع المقبل إذا اتخذ القرار بالتوقف عن السداد. وتتضمن هذه التحضيرات الآتي‎:

ــــ مشاورات عقدت بين مسؤولين محليين مع ممثلي صندوق النقد الدولي في منطقة الشرق الأوسط، لدرس ‏‏”الإخراج” المناسب لما يسمّى “مساعدة تقنية” سيقدّمها صندوق النقد الدولي بشأن إعادة هيكلة الدين العام. وهذه ‏المساعدة تشمل تقديم الدعم العلني لعملية إعادة هيكلة الدين العام، وتقديم الدعم التقني للسيناريوات المحتملة بشأن ‏إعادة الهيكلة ونتائجها على الوضع المالي للخزينة ومصرف لبنان والمصارف. هذا الدعم هو البديل من لجوء ‏لبنان إلى برنامج مع الصندوق. وهناك الكثير من القوى السياسية التي تعتقد بأن الحصول على هذه المساعدة ‏التقنية أهون مما قد تفرضه تطورات الأزمة المالية ــــ النقدية ــــ المصرفية في الأيام المقبلة، إذ ستصبح الخيارات ‏مؤلمة جداً وقد تفرض على لبنان اللجوء “مكرسحاً” إلى برنامج مع صندوق النقد، بينما يمكنه اليوم الحصول ‏على مساعدة تقنية وهو يملك بضعة مليارات من ذخيرة الاحتياطات بالعملات الأجنبية‎.

ــــ بعد يومين يفترض أن يُنجز البنك الدولي بالتعاون مع وزارة المال خطّة متوسطة الأمد تمتد على ثلاث سنوات ‏لتحفيز النموّ الاقتصادي ستعرض على اللجنة الوزارية، ثم على الدائنين، في إطار خطّة شاملة مع سيناريوات ‏صندوق النقد الدولي. وقد سبقتها موافقة البنك الدولي على منح لبنان قرضاً ميسّراً بقيمة 400 مليون دولار سينفق ‏في مجمله على برنامج استهداف الأسر الفقيرة الذي يعدّ برنامجاً زبائنياً لتوزيع المساعدات على الأزلام والتابعين ‏لهم سياسياً المسجّلين في البرنامج المعتمد كسياسة عامة بدلاً من أن يكون برنامجاً ظرفياً لمساعدة هذه الأسر على ‏تخطّي مرحلة الفقر‎.
مواصلة الهندسات‎
إزاء هذا الواقع، ستتمحور مشورة صندوق النقد الدولي حول مسارين: مواصلة الهندسات المالية التي ينفّذها ‏مصرف لبنان لشراء مزيد من الوقت بالكلفة الباهظة، والقيام بعملية منظمة لإعادة هيكلة للدين العام بعد استشارة ‏صندوق النقد ومشاركة البنك الدولي في صياغة الخطة الاقتصادية للسنوات الثلاث المقبلة‎.

عملياً، يقف رياض سلامة وحيداً على ضفّة خيار مواصلة الهندسات المالية. وتقول المصادر إن سلامة يفضّل ‏القيام بعملية “سواب” لاستبدال سندات يوروبوندز تستحق على المدى الطويل بالسندات التي تستحق في آذار ‏المقبل وفق السعر السوقي لكل منها، وفوقها هندسة تتضمن إقراض المصارف مبالغ بالليرة فائدتها متدنية ‏وتوظيف هذه الأموال لديه بفائدة مرتفعة. سلامة يعتقد بأن هذه العملية تتيح شراء مساحة وافرة من الوقت بكلفة ‏غير كبيرة نسبياً، وعلى هذا الأساس حاول استمالة رئيس الحكومة، لافتاً إلى أن الاستبدال لن يؤثّر على ‏احتياطاته بالعملات الأجنبية المخصصة لتمويل السلع الأساسية، وبالتالي لن تكون هناك ردّة فعل شعبية تجاه ‏تسديد الأموال للخارج، فيما المودعون في لبنان لا يتمكنون من الحصول على ودائعهم. ومن الواضح أن ما يقوله ‏مصرف لبنان ينطوي على الآتي: تصدر وزارة المال سندات جديدة بنفس قيمة الإصدار المستحق وفوائده، ‏ويضمن مصرف لبنان أن تشتري جهات خارجية سندات قيمتها توازي قيمة ما دفعه لحملة السندات الأجانب في ‏الإصدار المستحق (لا أحد لديه فكرة من هو المجنون الذي سيخاطر بشراء سندات بلد على قاب قوس أو أدنى من ‏التخلف عن سداد الديون‎).‎
ويتوقع ألا يكون خيار الاستبدال والاستمرار في الهندسات المالية موافقاً عليه من صندوق النقد الدولي الذي وجّه ‏انتقادات لاذعة لمصرف لبنان على تنفيذ الهندسات المالية المكلفة جداً على ميزانية مصرف لبنان، وانتقده أيضاً ‏بسبب السياسات النقدية غير التقليدية التي تكبده المزيد من الخسائر. وهذا أحد الأسباب الذي يدفع سلامة إلى رفض ‏فكرة وجود صندوق النقد الدولي من أساسها، إذ إنه يعتقد بأن الصندوق سيجبره على فتح دفاتره وكشف موجوداته ‏الفعلية والالتزامات الحقيقية المترتّبة عليه. وهو أصلاً يرفض تقديم جردة واضحة وشفّافة عن هذه الموجودات ‏والالتزامات لرئيس الحكومة بما تشمل من ديون وتسليفات للقطاع المصرفي والعلاقة بينه وبين المصارف. قبل ‏بضعة أيام، سأله دياب عن هذه الجردة فأجاب سلامة بأنه يحتاج الى أسبوعين لإعدادها، ما جعل دياب يستغرب ‏الموقف، فأوضح سلامة محرجاً: هي موجودة، لكنها بحاجة الى تدقيق. مصادر قريبة من دياب تنفي حتى الآن ‏تلقّيه أي معلومات مفصّلة عن هذه الجردة، رغم الاهتمام الذي أبداه دياب أخيراً في متابعة أوضاع القطاع ‏المصرفي واستقباله رئيس لجنة الرقابة على المصارف سمير حمود (لم تتّضح حتى الآن أسباب زيارة سمير ‏حمود أمس للرئيسين سعد الحريري وفؤاد السنيورة‎).
*نحو إعادة الهيكلة‎*
في المقابل، فإن التوقف عن السداد هو سلوك يقود نحو الاستعانة التقنية بصندوق النقد الدولي. هذا الأمر يعزّز ‏صدقية الخطة التي ستقدمها الحكومة للدائنين الأجانب ويضمن، إلى حدّ ما، موافقتهم عليها. هذه الخطّة تعني أن ‏لبنان سينتقل إلى مرحلة منظمة في عملية إعادة الهيكلة، ويتطلب الأمر ثلاثة فرق: فريق اقتصادي (البنك الدولي)، ‏فريق تقني (صندوق النقد الدولي واللجنة الوزارية وخبراء محليون)، وفريق قانوني (مكاتب محاماة عالمية يرجح ‏أن يكون بينها مكتب الوزير السابق كميل أبو سليمان‎).

يبدأ هذا المسار من خلال تعيين لجنة للتفاوض مع الدائنين‎ (Credit committe) ‎سيكون لديها نحو 6 أشهر ‏للتوصل إلى اتفاق مع الدائنين. في هذه الفترة، على لبنان تدبير أموره، أي تأمين تمويل استيراد السلع الأساسية، ‏ومعالجة العقود الخاصة التي وقّعتها الشركات المصدرة، ومعالجة عقود الاستيراد أيضاً، وتأمين حماية لأصحاب ‏الرواتب المتوسطة وما دون من انخفاض قيمة الليرة وتآكل رواتبهم، وتأمين الحماية لأموال الضمان الاجتماعي، ‏والحفاظ على الودائع… هناك الكثير للقيام به. على لبنان اليوم الاختيار بين تجربة الأرجنتين التي تواصل التخلّف ‏عن السداد، وبين فنزويلا التي تناضل من أجل استيراد السلع الأساسية‎.‎

في ظل هذه المفاضلة، قد تبدو هناك حاجة إلى إقصاء الآراء السياسية عن القرار. فهناك من يعتقد بأن الاستعانة ‏التقنية بصندوق النقد الدولي الذي يوفّر على القوى السياسية أعباء اتخاذ قرار التوقف عن السداد ويوفّر لها الغطاء ‏المناسب لإلقاء اللوم على مشورة الصندوق، قد يشكّل فرصة لتسويق أو إغراق لبنان ببرنامج مع صندوق النقد ‏الدولي، وهو أمر يختلف بآلياته عن آليات تقديم المشورة التقنية لكنه يشكّل حافزاً سياسياً لدى هؤلاء من أجل ‏تعزيز الحصار المالي والاقتصادي الذي بدأته الولايات المتحدة بفرض العقوبات المالية على مصارف ورجال ‏أعمال وشركات لبنانية‎.‎
المصدر : mersad
المرسل : مرصاد نيوز
   
لم تتم عملية تسجيل الدخول
الاسم :
كلمة المرور :
سجل دخولي لمدة :
هل نسيت كلمة السر؟
لم تسجل لدينا بعد؟ اكبس هنا
أهلا و سهلا بك, نفتخر لإنضمامك إلينا
   

Arabic